القبر
يا قبرُ ضيقٌ لحدُكَ مظلمٌ
وضاقَتْ بِهِ الأنفاسْ..
حُزناً غُزِِلَ الكفنُ فيه
خيوطاً من ليلُ النعاسْ..
لايَمدُهُ تِبغُ السجائِر سَلوى
ولا يُنْسي حُزنه نَشوة الكاسْ..
تغطى صاحبهُ بالروح
دُفِنَ فيه أطيب الناسْ..
ياقَبرُ لا تئِن فالكل غافلٌ
ولا تَصْرخ فلا بأس لا بأسْ..
ياقَبر أوصي الضُلوع لا تَنْفَعِلْ
فَيُطْبَقْ على من فيه تُرابُ القَبرِ بالساسْ..
يا قبراً ليس كُلُ القُبورِ مِثلهُ
موتٌ تاركٌ ليلٌ وندمٌ له جلاسْ..
يَلْفُظُ مِلْحٌ أُجاجٌ وماءٍ آسِنْ
تَخَمَرَبتُرابِه فَبَلهُ في ليلُ الإختلاسْ..
يا قبراً لم يُقرأ فوق تُرابهِ
السَبعُ المثاني ولا سورة الناسْ..
بَلَتهُ الخُمور كثيراً فيشربُها
ويَشْكي ضَمأ الريق في الأرماسْ..
ظُلمة القَبر زادت الموت موتاً
لا يرى الدمع لا يرى أي نبراسْ..
دمعٌ تجمد على القبر بان لناظره
حباتٌ تلألأة تبرقُ كما الألماسْ..
أتُرى الساكِن فيه لم يراها
أم أنهُ ثَمِلَ بِسكرات القبر بأولِ كاسْ..
أو أنه لا يحوي أحداً هَجَرهُ صاحِبه
وترك عِطرهُ بِلَفائِفَ من القرطاسْ..
ياقَبرُ أيُعقل لكَ إسمٌ لغير صاحِبك
أيُعقل أن تُرابُك على صاحِبِكَ داسْ..
أيُعقل أن لكَ أضْلُعاً ورِئَةٌ تئِن
ولكَ قلبٌ نابضٌ بالإحساسْ..
فكيف تكون بِهذه الجَحافه
وقد طَويت أطيبُ الناسِ أنفاسْ...
ياقبراً أكَلْتَ مَحاسِنَ صاحِبك
فهيْهاتَ أن يَعود لكَ هيْهاتْ...
وحَسِبْتَ أنكَ وهو واحدٌ
وحَلَلّت جَسَدهُ بِتُرابِكَ مِنْهُ ذراتْ..
فأطْبَقْتَ بِتُرابِكَ على أضْلُعِهِ
فإنطلقة الروح تَشكي لِربُ السماواتْ..
فيك من المَعاصي مايَجْعَلُكَ قَبيحٌ
دَفَنْتَ جَسداً طاهراً فَجَرعْتهُ الويلاتْ..
أنت من يُفني اللّحظاتُ الجميله
متى تُفنى أنت يا هادِم اللذاتْ..
ياقُبرُ زِمَ الضُلوع فَلا تشكي
وإحْبِسْ أنفاسُك الضيقه وأُكْتُم الأناتْ..
كم مرةٌ يأتيك الموت ولا تموت
يترُكُك بين أحياءٍ وهائمٌ مع الأمواتْ..
كم مرةً تتمنى الموت ولا تموت
كم مرةً في مَعاصيكَ تأتيك غَصاتْ..
كم مرةً تَزْرع وردةً على تُرابُك
فَتَذْبَلْ وتموت فكيف تكون لكَ توباتْ..
ياقَبرُ فيكَ الحُزنُ ظالمٌ مرير..
زادكَ حباً ساكِنٌ فيك
وزِدتهُ موتاً وظُلماً كثير..
أبَعْدَ ما فُنِيَ بِتُرابُكَ
تَذرف عليه دَمعاً خرير..
قَيدت الجمال بِطغيانِك
صَلْصَالاً على رقبتِهِ كالجرير..
يا قَبرْ أُطلُبْ التوبة من الله
وإخشى مِنه ناراً تَسْعر سعير..
توقف عن رشف السموم َوتُبْ
توقف عن كَسْرِ ماءٍ بِشعير..
فلايحترق ذلك القبرُ بمن فيه
فيا قبر قُل للهَمْ لي ربٌ كبير..
وعسى أن يَهِبْ لأطْيبَ الناسْ
قصراً بالجنه وبَدَلا من صَدريَ سرير...
يارب إشرح لي صدري وهب لي من لدنك رحمه فأنت التواب الرحيم